فتوحات محمد علي في اوربا : ( حرب اليونان ) في المورة
فى عام 1820 ثارت اليونان ضد الحكم العثمانى ، فلجأ الباب العالى الى اقوى ولاته محمد على باشا ، يستعين بجيشه على قمع الفتنة باليونان ، وكان السلطان قد ارسل اليها عام 1822 جيشا بقيادة خورشيد باشا لم ينل غير الهزيمة .
وفى عام 1823 عين السلطان محمد على واليا على جزيرة كريت مع ولايته على مصر واصدر اليه اوامره بأخماد ثورتها ، فأخضعها ابراهيم باشا واحتلتها الجنود المصرية ، وفى عام 1824 عين محمد على واليا على بلاد الموره لأخضاعها ، وفى منتصف يوليه من العام المذكور اقلع الاسطول المصرى من الاسكندرية بقيادة الاميرالاى اسماعيل وكان مجموع سفنه 63 ، واستأجر 36 سفينة لنقل العدد والذخيرة ، وكان عدد القوات البرية 17000 من المشاة ، و 700 من الخيالة واربع بطاريات مدفعية ومدافع اخرى للقلاع وللجبال ، وكانت هذه القوات كلها تحت قيادة البطل ابراهيم باشا .
تقابل الاسطولان المصرى والعثمانى فى جزيرة ( رودس ) واتجها الى بلاد المورة ونزلت الجيوش قرب قلعة ( متون ) فتقهقر اليونانيون الذين كانوا يحاصرونها .
وتقدم الجيشان المصرى والعثمانى فى داخل البلاد وخضعت معظم بلاد الموره وكانت اهم معارك هذه الحرب الاستيلاء على ( تريبولترا ) و ( مسيولونجى ) التى قاومت رشيد باشا مدة طويلة حتى اسقطها ابراهيم باشا ، اما اثينا فقد فتحت ابوابها بعد مقاومة عنيفة عام 1827 ، وقد بلغت خسائر الجيش المصرى فى حصار ( مسيولونجى ) وحدها ستة الاف قتيل ، اما الاتراك فقد خسروا عشرين الفا مع ذلك فقد خضعت اليونان للجيوش المنتصرة .
ولكن سرعان ماأتخذ الموقف شكلا جديدا فقد تدخلت الدول الاوروبية لنقض النتائج الفعلية التى ربحها المنتصر بعد ان رأت تلك الدول ان النتيجة المباشرة لذلك النصر ستجعل شرق البحر الابيض المتوسط بحيرة مصرية دعامتها جزيرة كريت التى يرفرف عليها العلم المصرى برجالة الذين يأتون اليها من القاهرة ، وستكون لتلك الجزيرة اهمية استراتيجية تربط سواحل الاسكندرية وسواحل اليونان الجنوبية بعد ان تؤول حكومتها الى ابراهيم باشا .
فأتفقت الدول الثلاث انجلترا وفرنسا وروسيا على ارسال اسطول بقيادة الاميرال كورنجتون لأيقاف التقدم المصرى العثمانى المشترك .
وتمكن كورنجتون من ابرام هدنة مع ابراهيم باشا كانت فى مصلحة اليونان وفى الوقت ذاته كانت تدور مفاوضات الصلح بين هذا القائد والسلطان لمنح اليونان استقلالها الداخلى .
فى تلك الاثناء تمكنت بعض سفن الدول المذكورة من دخول ميناء ( نفارين ) وكان راسيا فيها الاسطول المصرى العثمانى .
وفى اليوم التالى اخبر ابراهيم باشا كورنجتون ان احد الثوار اليونانيين يهاجم بقواته ( برتاس ) وانه مضطر الى تخليصها من ايديهم ، فلم يقبل كورنجتون ان يبارح ابراهيم خليج نفارين ولو انه استطاع الافلات ببعض سفنه تاركا معظم سفن الاسطول بالميناء .
اصدر ( كورنجتون ) اوامره لأسطول الحلفاء بالدخول فى الخليج استعدادا للتحكك بالاسطول المصرى ، وتصادف ان اقتربت احدى السفن التركية من احدى البوارج الانجليزية ، فأرسلت هذه زورقها تأمرها بالابتعاد ، فجاوبتها بتصويب نيرانها الشديدة عليه فنشب القتال فى الحال بين الفريقين ، واستمر حوالى ثلاث ساعات دمر اثنائها الاسطول المصرى العثمانى .
ولم تختتم معركة نفارين عند هذا الموقف ، فقد ظهر كورنجتون عند الاسكندرية وانذر محمد على باشا بتخريب الميناء اذا لم يخل ابراهيم المورة .
كان ابراهيم باشا منهمكا فى تهدئة داخلية المورة فأصبح بعد ( نفارين ) كما كان نابليون فى مصر بعد معركة ابو قير البحرية .
وفى ذلك الوقت تخابرت انجلترا وفرنسا مع محمد على بواسطة قنصليهما فى مصر ، واتفقا معه فى 3 اغسطس سنة 1828 على سحب جيوشة واخلاء شبه جزيرة المورة ، فأمر الباشا ابنه بالجلاء .
وفى اكتوبر سنة 1828 اخلى ابراهيم باشا اليونان واحتلها الفرنسيون ، واعترفت الدولة العثمانية بأستقلال اليونان عقب حرب انتصرت فيها روسيا على العثمانيين بموجب معاهدة ادرنة فى 14 سبتمبر 1828 .
وكانت خسائر مصر فى اليونان فادحة فقد بلغت القوات التى جردتها لهذه الحرب اثنين واربعين الفا خسرت منهم ثلاثين الفا ، وبلغت نفقات الحملة 775 الفا من الجنيهات ، وفقدت ايضا اسطولها الناشىء ، ولم تنل مصر من مساعدتها للدولة العلية سوى ان محمد على باشا ضم اليه جزيرة كريت التى كافأه بها السلطان محمود .
ولكن مما نزاع فيه ان هذه الحرب قد اكسبت مصر منزلة معنوية كبيرة لأنها كانت اول حرب اوروبية خاض الجيش المصرى غمارها وبرهن فيها على كفاءته ، واثبت انه يضارع ارقى الجيوش الاوروبية فى ميادين القتال ، فلا غرو ان ارتفع شأن مصر ونال جيشها شهرة عالية بين الجيوش الاوروبية فى ذلك الحين .
وكان من نتائج الحرب اليونانية ان اخذت مصر تكتسب مركزا دوليا ، فأن الدول الاوروبية قد فاوضت محمد على رأسا دون وساطة تركيا ، فكسبت بالفعل مركزا ممتازا بين الدول ، وهذا ماحدا محمد على ان يعمل على تنفيذ فكرة الاستقلال عن تركيا ويطمح فى الاستقلال عن تركيا ويطمح الى الانفصال عنها وتحقيق استقلال مصر .
حروب محمد علي في شبة الجزيرة العربية :
3 سبتمبر سنة 1811 ابحرت الحملة التى انتخبها محمد على تحت قيادة ابنه طوسون باشا للقضاء على الوهابيين ، وانهزمت هذه الحملة اولا فى ( الحديدة ) الا ان محمد على ارسل حملة عزز بها قوات طوسون باشا ، وما اتى شهر نوفمبر سنة 1812 حتى كان طوسون باشا قد استولى على ( المدينة المنورة ) وفى اوائل سنة 1813 استولى على مكة وجدة ، واخذ الناس يدعون للسلطان فى مساجد الاراضى المقدسة .
فى اواخر سنة 1812 قرر ( محمد على ) ان يسافر الى الحجاز ليتولى القيادة بنفسه ، وليشرف على بسط النظام فى ربوع الحجاز ، وقد ظهر فيما بعد انه اراد كذلك خلع شريف مكة لتواطئه مع الوهابيين ، وقد خلعه فعلا وارسله مع اولاده الثلاثة الى مصر ، فأقلق هذا الاجراء بعض القبائل فثارت ، بينما كان الوهابيون يجمعون جموعهم استعدادا لهجوم جديد ، فأرسل محمد على فى طلب مدد من مصر ، فجاء هذ المدد مؤلفا من اقوام واجناس متعددة ، ومنيت قوته بأنكسار بجوار الطائف ، وبعد ايام منى نجله ( طوسون ) بأنكسار اخر فى طرية ، وفقد رجاله مدفعيتهم وامتعتهم ، وفى تلك الظروف العصيبه توفى الامير سعود
( ابريل سنة 1814 ) وعجز انجاله الثلاث عن توحيد كلمتهم ، فأنتهمز ( محمد على ) هذه الفرصه وعزز قواته واستمال اليه رؤساء القبائل ، وتولى بنفسه قيادة جيشه ، فهاجم الواهبيين فى ( بسل ) وهزمهم شر هزيمة ، وعاد محمد على الى مصر تاركا الحملة فى يد طوسون باشا الذى لم يلبث ان عقد صلحا مع الامير عبد الله خليفة الامير سعود ، وبمقتضى هذا الصلح تنازل الوهابيون عن جميع حقوقهم على القبائل الضاربة فى المناطق التى احتلها محمد على ، ولم تنقض فترة قصيرة من الزمان حتى جاءت الاخبار من الحجاز بأن بعض القبائل العربية تمردت بتحريض من الوهابيين ، وكان طوسون قد توفى فى مصر فى تلك الاثناء ، فأسند محمد على قيادة الحملة الجديدة الى نجلة ( ابراهيم ) وكان يومئذ فى السادسة والعشرين من عمره ، وكان قد سافر الى الحجاز قبل والده ، وماكاد ابراهيم يصل الى الجزيرة العربية حتى اخذت مواهبه كقائد تتجلى بأجلى مظاهرها ، وظل ابراهيم يناوش الوهابيين ويتقدم بحذر وحساب ، ويعد العدة لهجوم حاسم ، الى ان كان شهر سبتمبر سنة 1818 فضربهم ضربة قاضية فى قلب بلادهم ، وارسل عددا كبيرا من امرائهم الى مصر .
وكافأ الباب العالى ابراهيم على هذا الانتصار بتعيينه واليا على الحجاز .
موقف الدول الاوربية من محمد علي وتوسعاتة الخارجية :
استفادت الدول الأوروبية من حالة العداء بين الدولة العثمانية ومحمد علي باشا، فلم يبد الإنجليز في البداية رغبة في مقاومة الفتوحات المصرية السريعة، بل زودوا المصريين بالذخيرة، أما فرنسا فكانت مرتاحة لاحتلال محمد علي لسوريا، بل حضته على إعلان الاستقلال والانفصال وتشكيل نظام سياسي وثيق الصلة بها، ولم تتدخل أية دولة أوروبية في هذا الصراع.. فالكل كان في حالة انتظار وترقب.
ولما استحكم الأمر وظهرت القوة المصرية المتنامية أصبحت الدول الأوروبية موضوعيا في صف الدولة العثمانية، حتى إن قيصر روسيا العدو اللدود للعثمانيين عرض على "الباب العالي" تقديم مساعدة عسكرية لقتال محمد علي.
وتدخلت الدول الأوروبية بثقلها في المسألة المصرية، ودعت محمد علي إلى التفاوض والتخلي نهائيا عن فكرة احتلال الأستانة، وعقدت معه "صلح كوتاهية" في ذي الحجة (1248هـ = مايو 1833م) الذي ضمن لمحمد علي حكم بلاد الشام وإقليم أدنه مع تثبته على مصر وكريت والحجاز، مقابل أن يجلو الجيش المصري عن باقي الأناضول، وبذلك أصبحت حدود مصر الشمالية تنتهي عند مضيق كولك بجبال طوروس.
واستفاد الأوروبيون بالامتيازات والتنازلات التي حصلوا عليها من العثمانيين فحصل الإنجليز على امتيازات ملاحية في نهر الفرات، ووقّعت روسيا مع الأستانة "معاهدة هنكار أكسله سي" الدفاعية الهجومية التي استطاع من خلالها الأسطول الروسي أن يصل إلى مياه البحر الأسود ومنها إلى مياه البحر المتوسط.
أما السلطان العثماني فسعى إلى نقض اتفاقية كوتاهية؛ لأنه رأى أن الخطر الذي يهدد سلطانه يأتي من ناحية مصر
الحكم المصري في بلاد الشام
دخلت الشام في حكم الدولة المصرية بعد صلح كوتاهية، وصار إبراهيم باشا حاكما عاما للبلاد السورية وقائدا للجيش المصري، ووطد مركزه الحربي والسياسي بهذه البلاد، وبلغ عدد الجيش المصري المرابط في الشام حوالي سبعين ألف مقاتل، معظمه في الجهات الشمالية وقد اعترض الحكم المصري في الشام عقبتان هما:
- استياء الأهالي من تدابير الإدارة المصرية، ومنها التجنيد الإجباري، ومصادرة السلاح.
- تدخل قناصل الدول الأجنبية في الشئون المحلية، وادعاؤهم حماية بعض الطوائف في الشام.
واشتعلت الثورات ضد الحكم المصري، وألّب العثمانيون والأوروبيون الشوام ضد المصريين، ودعموا حركات احتجاجهم التي لم تهدأ طيلة سبع سنوات ، ولجأ إبراهيم باشا إلى قمع هذه الثورات فازدادات اشتعالا، حتى إن بعض الطوائف المتعادية مثل المارونيين والدروز اتحدت ضد الحكم المصري، وعم السخط السهل والجبل.
الحرب السورية الثانية
بدأت الحرب بين الطرفين بهجوم عثماني في (1 ربيع الثاني 1255هـ = 24 يونيو 1839م) على مواقع الجيش المصري في نصيبين، وانهزم العثمانيون بعد ساعتين من بدء المعركة، وكانت خسائرهم فادحة فقد قُتل وجرح 4 آلاف، وأسر حوالي 15 ألفا، وقضت هذه المعركة على قوة العثمانيين الحربية، وكانت أكبر انتصار لمحمد علي باشا.
كانت الهزيمة قاسية على العثمانيين ولم يتحملها السلطان الذي توفي بعدها بعدة أيام، ورأى الأوروبيون أن هناك اتجاهات بين بعض العثمانيين للالتفاف حول محمد علي باشا بوصفه منقذ الدولة العثمانية من التفكك، وأن مستقبل نهضتها على يديه، وفي (26 ربيع آخر (1255هـ = 9 يوليو 1839م) انضمت جميع وحدات الأسطول العثماني إلى محمد علي باشا في الإسكندرية، وفي الوقت نفسه احتل الجيش المصري ميناء البصرة وتقدم باتجاه الأحساء، والقطيف، فأحدث هذا الأمر إرباكا في السياسة الدولية للدول الاستعمارية الكبرى، ورأت أن تتدخل بقوة وحزم قبل أن تفلت أزمّة الأمور من يديها، لذلك وجهوا إنذارا إلى محمد علي وعقدوا تحالفا أوروبيا ضده، قابله محمد علي باستنكار شديد، خاصة بعد ترحيب الأستانة بهذا التحالف.
فكتب محمد علي رسالة إلى الصدر الأعظم "خسرو باشا" يدعوه فيها لعدم الخضوع لسياسات الدول الكبرى التي تصر على بقاء السلطنة في حالة من الضعف الدائم؛ حتى تتمكن في اللحظة المناسبة من تفكيكها والسيطرة عليها.. والطريف أن خسرو باشا أطلع الدول الأوروبية على هذه الرسالة السرية.
وانتهى الأمر بإبرام معاهدة "لندن" في 15 جمادى الأولى (1256هـ = 15 يوليو 1840م) بين إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا، والتي خولت لمحمد علي وخلفائه من بعده حكم مصر حكما وراثيا، وأن يكون له مدة حياته حكم المنطقة الجنوبية من سوريا، وأن يدفع جزية سنوية للباب العالي .. وفي حالة رفض محمد علي لهذه الشروط فإن الحلفاء سيلجئون إلى القوة لتنفيذها.
كان هدف المعاهدة إخراج مصر من الشام، أما فرنسا فأبدت الرغبة في عدم الخروج عن الإجماع الأوروبي، وكانت تلك قاصمة الظهر لمحمد علي باشا.
وقد انعكس التحالف الأوروبي العثماني بعد اتفاقية لندن حربا على المصريين في بلاد الشام، فأصبحت جميع الموانئ الشامية تحت الحصار الأوروبي، وثار السوريون ضد الحكم المصري وكذلك اللبنانيون، وعمت الثورات بلاد الشام، وأصدر بطريرك المارون مرسوما بحرمان كل من لا يشارك في الثورة ضد المصريين، وأمضى إبراهيم باشا وقواته عاما في قمع الثورات الشرسة، وتهاوت موانئ بيروت وحيفا وصور وصيدا وسقطت عكا ويافا ونابلس.
وفي هذه الأثناء عزل السلطان العثماني محمد علي عن مناصبه في سوريا ومصر، وأدرك محمد علي أن دفة الأحداث قد تغيرت فأصدر أوامره لإبراهيم باشا بإخلاء سوريا والعودة إلى مصر
ونتيجة لتنافس الدول الأوروبية تراجع السلطان العثماني عن عزل محمد علي باشا الذي عاد إلى وضعه الطبيعي كوالٍ تابع للسلطان في الأستانة، وبذلك انتهت الحملة المصرية على بلاد الشام، وانصرف محمد علي بعد معاهدة لندرة إلى معالجة الشئون الداخلية بنفسه، ولم يبق له غير مصر والسودان ميدانا لنشاطه، فأنشأ بنكا للدولة، وعمل على استكشاف منابع النيل، ووضع حجر الأساس للقناطر الخيرية، وأرسل كثيرا من البعثات الدراسية إلى أوروبا.
الخاتمة :
في تاريخ الشعوب والأمم أحداث وأيام فاصلة تكون خاتمة منهية لما قبلها، وفاتحة مؤسِسة لما بعدها... ان محمد علي ذلك الثائر من عتمة الزمان, كان أسطورة مصر العربية في بدايات القرن التاسع عشر نراه قد قام بتأسيس دولة لها من العظمة الشيء الكثير, على الطراز الأوربي عسكريا وتعليميا , واستطاع بفضل حنكته أن يصل كتب التاريخ, ويرفع الراية العربية عاليا , حيث قام ببناء أسطول بحري منظم وأسس مصانع لبناء السفن والأسلحة , وأوفد البعثات التعليمية إلى أوربة لتساعده فئة المتعلمين في إدارة دولته الناشئة وتساعده أيضا على بناء المدارس لتعليم الناس من إيمانه بأهمية العلم.
أيضا كان له اهتماماته في الزراعة والتجارة وأمور كثيرة ساعدت على تكوين الشخصية الحرة لمصر العربية.لذلك كان لا بد من إلقاء بعض الضوء على هذه الشخصية الفذة.