استلقى غزوانُ على فراشِهِِ، يفكِّرُ في دراستِهِ ومدرستِهِ وأُمِّهِ..انتابَهُ حزنٌ مرير.. زملاؤهُ يسخرونُ منهُ، وينفرون من صحبتهِ، أو الجلوسِ معهُ، ومعلِّمُهُ غيرُ راضٍ عنهُ، وأُمُّهُ لم تعدْ تحترمُهُ، لقد صغُرَ في عينها، بعدما عجزَ عن قراءةِ الرسالةِ..
قال في سرِّهِ: بأيِّ وجه ألقى أبي حينما يعودُ، وتحكي لـهُ أُمِّي كلَّ شيء؟!
باتَ يفكِّرُ، ويفكِّر.. وعندما أقبلَ الصباح، استيقظَ باكراً، رتَّبَ كتبَهُ في محفظتهِ، ومضى مسرعاً إلى مدرستهِ، فدخلَ الصفَّ مع أوائلِ الداخلين..
شاهدَ المعلِّمُ الوظائفَ، فقدَّمَ لـهُ وظيفةً جيِّدة، نالَتْ إعجابَهُ، فقالَ لـهُ:
ـ أحسنْتَ يا غزوان!
وحينما سألَهُ عنِ الدرسِ، أجابَ عنِ الأسئلةِ جميعها.
أثنى عليهِ المعلِّمُ، ومدحَهُ أمامَ زملائهِ، فشرعوا ينظرونَ إليه مدهوشينَ، وعندما خرجوا إلى الباحة، التفّوا حولَهُ يحادثونهُ، وفي عيونهم نظراتُ الحبِّ والتقدير..
قضى غزوانُ يوماً سعيداً في مدرستهِ، ثمّ عادَ إلى البيتِ مسروراً، فاستقبلَتْهُ أُمُّهُ قائلةً:
ـ جاءْتنا رسالةٌ من أبيك.
ـ أعطيني إيّاها.
أخذَ غزوانُ الرسالةَ، وبدأ يقرؤها بسرعةٍ، أدهشَتْ أمَّهُ، فاحتضنتْهُ تُقبِّلُهُ، وهي تكادُ تطيرُ من الفرح!
وبعدَ الغداء، أحضرَ غزوانُ ورقةً وقلماً، فسألَتْهُ أُمُّهُ:
ـ ماذا تريدُ أنْ تفعل؟
ـ سأكتبُ رسالةً إلى أبي.
ـ وفَّقكَ الله يا حبيبي، سيفرحُ أبوكَ كثيراً.
ورنَّ جرسُ المنبِّهِ...
هبَّ غزوانُ من نومهِ مذعوراً، صار يتلفَّتُ حولَهُ، ثمّ أرجعَ بصرَهُ، فوجدَ نفسَهُ على السرير.. قال محزوناً:
ـ كلُّ ما حدثَ كانَ حلماً!
أطرقَ واجماً حزيناً، ولكنَّهُ ما لبثَ أنْ رفعَ رأسَهُ، وقال:
ـ لن أدعَ الحلمَ الجميلَ يضيعُ، سأجعلُ الحلمَ حقيقةً.
نهضَ نشيطاً، رتَّبَ كتبَهُ في محفظتهِ، وانطلقَ مسرعاً إلى مدرستهِ، فدخلَ الصفَّ مع أوائلِ الداخلين..